أوراق كثيرة تملكها واشنطن لتحديد مسار الحكومة اللبنانية ومستقبلها برئاسة حسان دياب. فالإدارة الأميركية تستفيد من الثغرات الكثيرة في الوضع اللبناني، وما أنتجه نظام المحاصصة السياسية من غياب فعلي لوحدة القرار السياسي وانعكاس ذلك على طريقة تشكيل الحكومة رغم محاولات دياب التفلّت من الضغوط التي مارسها شركاؤه في التأليف، الذين فوجئوا بشخصيته الغامضة وعناده وكانوا يتمنون في لحظات ما لو يعتذر.
لا شك أنّ الحكومة الجديدة تستفيد من أن الخارج الغربي الأميركي والأوروبي يعطيها فترة سماح قصيرة مشروطة، يربطها بمدى التزامها بالإصلاحات الضرورية وهو ينتظر. كما أن هناك تمايزا نسبيا بين موقف باريس التي تراجع دورها وموقف واشنطن التي أصبحت أشدّ حضورا في المعادلة اللبنانيّة، بحيث يمكن الإستنتاج بأنها تقترب من تحويل لبنان إلى منصة أميركيّة لإدارة الوضع في المنطقة، بعد أن نجحت في إضعاف ثلاثة لاعبين إقليميين أساسيين تركيا وايران واسرائيل. هذا يعني أن واشنطن ستكون أكثر تشددا من باريس والإتّحاد الأوروبي، وستتحكم عمليا بورقة المساعدات الخارجيّة التي هي حبل الخلاص قبل الإنهيار الكامل. والإستنتاج اننا نقترب من ’’أمركة لبنان‘‘، المعادلة التي فشل الإجتياح الإسرائيلي في العام 1982 من تحقيقها. ولذا سيكون السؤال كيف سيعالج البيان الحكومي ضغوط تسريع الإصلاحات ومواجهة الفساد و’’توليف‘‘ معادلة ’’شعب وجيش ومقاومة‘‘ والمطالبة بإجراء انتخابات مبكرة واستعادة الأموال المنهوبة وتكريس فكرة المواطنة.
الحكومة تحتاج لواشنطن بكل مكوناتها بما فيها حزب الله. وقد تكون هذه الحاجة هي التي تبرر وجود أكثر من 12 وزيرا يحوزون الجنسيّة الأميركيّة كرسالة إيجابيّة للإدارة الأميركيّة، المصرّة على انتزاع مكاسب واضحة في شأن النفط والغاز وترسيم الحدود مع اسرائيل وضمان أمنها مقابل ’’الإفراج‘‘ عن المسار الحكومي ومستقبله.
فترة السماح الأميركيّة المحدودة والمشروطة، تعني أنه على حسان دياب تسريع المعالجة وعلى الأطراف السياسية المحلية على اختلافها تسهيل مهمته. ترجمة ذلك أن الحكومة التي تحوز عمليًّا على ثقة البرلمان تحتاج إلى ثقة الشارع والحراك الشعبي.
الإعتراض في الشارع يتوزع على ’’الحراك السلمي‘‘ الذي يمكنه أن يعطي رئيس الحكومة دياب فرصة محدودة. أما الإعتراض الذي يأتي من الشمال وعكار والبقاع فوجهه الفعلي سنّي الطابع ما يفترض من دياب الإنتباه إليه والحوار معه، ومعالجة أسبابه الفعلية الكامنة، وخصوصا بأنّ عكار والبقاع وصيدا واقليم الخروب لم يُمثّلوا في الحكومة بوزراء سنّة. وهذا ما يفسّر إلى حدود بعيدة ظاهرة العنف ومحاولة التنظيمات السنّية المتطرّفة مثل "داعش" و"النصرة" وغيرها أخذ الحراك الشعبي إلى مكان آخر تحت عنوان ’’المظلوميّة السنّية‘‘. وبالتالي على دياب أن يبذل جهدا إضافيا في عكار والبقاع سيّما في ظل اقتراب نسبة العاطلين عن العمل إلى 55%، وفي ظل الحرمان التاريخي الذي تعانيه الأطراف، كما في ظل غياب التمثيل المسيحي في البقاع الشمالي، إضافة إلى تساؤلات العائلات والعشائر عن تغييب مدينة الهرمل المحرومة في الحكومة السابقة والحالية. وفي هذا السياق على رئيس الحكومة أن يبادر إلى فتح الطريق باتجاه رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري الذي أوحى بشيء من الإيجابيّة نحو الحكومة كسرا لظاهرة العنف. وفتح الطريق هذا مهم جدا لأن السؤال الأساسي في الأوساط السنّية حاليا، هو لماذا يتمّ احترام الميثاقيّة الطوائفيّة أيّ تمثيل الأقوى في الطائفتين المارونيّة والشيعيّة ولا تُحترم في الطائفة السنّية.
في المعلومات أن واشنطن ترتكز في تعاملها مع الوضع اللبناني الحالي إلى معادلة ’’لا ازدهار ولا انهيار‘‘. وواشنطن موجودة بقوّة في مختلف المكوّنات السّياسية. في المجتمع المدني تملك أكثر من 2000 جمعيّة ناشطة وفي فريق 14 آذار لها حضورها كما في فريق الثامن من آذار. كما أن تبنّيها لمطالب الحراك الشعبي يجعل تغاضيها عن مطلب الإنتخابات المبكرة التي لا تستطيع الحكومة الذهاب إليه ورقة إلزامية للحكومة وأطرافها للتفاوض عليه معها أي واشنطن مقابل أثمان. فنحن أمام وصاية دوليّة على لبنان. وفي أحسن الحالات وصاية الأمم المتّحدة أو وصاية إقليميّة تنتظر تسويات لم تنضج بعد.